امور منها كون المعلوم مما يدرك بالعلم الحصولى- ومنها كون اللفظ موضوعا بإزائه- ومنها كون الوضع معلوما للسامع- وليس شىء منها متحققا في المعارف المدنية- فان إدراكها تكون بالعلم الحضوري الذي لا يمكن ذهولها- بل سبيل ذلك وراء العلم الحصولى والحضوري وانّى هناك وضع الألفاظ وهيهات هيهات للسامعين العلم بوضعها- ومن أراد أن ينطق بتلك المعارف فلا بد له من إيراد مجازات واستعارات لا يهتدى الى مرامها العوام فيتخبط به عقولهم ويفهمون غير مراد المتكلم فيفسقونه ويكفرونه- كما ترى للعوام ينكرون على اولياء الله تعالى من غير سبيل الى درك مرادهم وذلك يفضى الى قطع البلعوم- فان قيل إذا كان ذلك العلم بحيث لا يمكن اخذه ولا إعطاؤه بالبيان ويفضى الى تلك المفسدة وقطع البلعوم النطق باللسان فاىّ ضرورة في التكلم بها- وما بال القوم يصنفون فيها مجلدات كالفصوص والفتوحات واىّ فائدة في تلك التصنيفات قلت ليس الغرض من تلك التصنيفات إعطاء تلك العلوم ولا يحصل بمطالعة تلك الكتب شىء من القرب والولاية بل الغرض منها تنبيه العارفين المحصلين تلك العلوم بالجذب
والسلوك على بعض تفاصيلها- وتطبيق احوال المريدين ومواجيدهم على احوال الأكابر ومواجيدهم كى يظهر صحة أحوالهم وتطمئن به قلوبهم- وكثيرا ما يتكلمون بتلك المعارف في غلبة الحال- فالطريق السوي للعوام عند مطالعة كتبهم وسماع كلامهم عدم الإنكار وحمله على ظاهر الشريعة مهما أمكن بالتأويلات فان كلامهم رموز وإشارات او تفويض علمه الى علام الغيوب كما هو شأن المتشابهات فان في كلامهم مجازات واستعارات مصروفة عن الظاهر وليس شىء منها مخالفا للشرع بل هى لب الكتاب والسنة رزقنا الله سبحانه بفضله ومنه- ولما كان طريق تحصيل تلك المعارف منحصرا في الإلقاء والانعكاس وكان كثرة الذكر والمراقبة اما في ملإ من الذاكرين او في خلإ من الناس يفيد للقلب والنفس صلاحية تلك الانعكاس من مشكوة صدر النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة او بوسائط- عقب الله سبحانه لقوله.
فَاذْكُرُونِي [1] قرا ابن كثير بفتح الياء والباقون بالإسكان أَذْكُرْكُمْ- عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انا عند ظن عبدى بي وانا معه إذا ذكرنى فان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسى وان ذكرنى في ملإ ذكرته في ملا خير منه وان تقرب الى شبرا تقرّبت اليه ذراعا وان تقرب الى ذراعا تقربت اليه باعا وان أتاني يمشى أتيته هرولة متفق عليه- وروى البغوي عن انس عنه وفيه قال سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله [1] اخرج ابو الشيخ والديلمي في مسند الفردوس من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ- يقول اذكروني يا معشر العباد بطاعتي أذكركم بمغفرتى- منه رحمه الله تعالى